منكمش أم منطلق؟
تفشلُ محاولاتي جدًا في التقدم للتحدث عما يصيبني فرغمًا عن قدرتي
الاجتماعية الخارقة في الانطلاق إلّا أنني لا أستطيع أن أكون شخصًا شفافًا
مع الأقربين فيما يخص نفسي.
فالتنقلات الزمنية والندوب الحياتية التي مررتُ بها، جعلتها تنطوي بالقوةِ
دون الحاجة للبوحِ بها - هكذا ظننتُ سابقًا-
بينما في الواقع كانت تتجمع طبقةٌ فوق طبقة، فوق أخرى
هشة ومن أول لمسةٍ ستملئ الأض فتاتًا عظيمًا.
كنتُ أعلم أن هذه التراكمات كالظل سترافقني أينما ذهبت، كيفما كنت وأن توقفي عن النظر إليها لايعني أنها غير موجودة.
تساءلتُ كثيرًا هل التوقف قد يعني الاستمرارية بشكلٍ أو آخر؟ ربما الإجابة هنا: نعم!
هنالك خيارات وضعتها أمامي لأتوقف عن الشعور الملازم لي
كقائدٍ عسكري يحدق إلي بصمتٍ عارم ويتعامل معي بقسوةٍ فظيعة
لكن علاوة على هذا لم أنجح.
كل الأشياء تتغير، تتبدل الأحوال حتى أن الفصول الأربعة مرت بداخلي
لكن دون جدوى.
يا أسفي على الإنسان يظهر حقيقيًا من الخارج أما من الداخل فأجزاؤهُ حادة تستنزفهُ مع الوقت.
التساؤلات التي كانت كخريطةٍ بالنسبة لي مثل: ماذا لو أبدأ في الانطلاق لأخفف من حدة الشعور؟
حتى إن كانت أشياء متقطعة، صغيرة وربما لن تصل في النهاية للكوارث
التي عشتها.
ماذا لو اليوم أفتح النافذة لأتحسس النسيم البارد دون أي ثقل
وأن أكون أنا ..كما أنا؟
قررتُ التحدث ذات يوم لكن بنية أن اختار أشخاصًا لا أعرفهم تمام المعرفة حتى تكون الخطوة الأولى غير باعثة للندم.
قلتُ كثيرا: كيف يتكلم النّاسُ عن أنفسهم بهذه السهولة؟
وظهر لي أن الأمر سهلًا للغاية.
انطلقتُ بالحديث أول مرة مع إحداهن عن طريق الصدفة وبدأتُ منفتحة
قليلًا فيما يخص نفسي مثل طفلٍ للتو تعلم الحديث مُرتبك ويتلعثم، كنتُ أتحسس رقبتي
وأنا أتكلم كأن ثمة شيء عالق في منتصفها، ومع كل جملة أنطق بها يبدأ في التدحرج، ويدي تضغط على القلم
بشكلٍ متكرر.
تمنيتُ في دقيقة أن يرن جرس الإنذار، أن يقاطعني أحدهم أو أن ينقطع صوتي أنا..
رغبتُ أن تحدث أمور كهذه كما نشاهدها في التلفاز لكنها البدايات هكذا تبدو صعبة دائمًا
إلا حينما شاركتني هي الشعور ذاته وبدأتُ منصتةً لها وشعرتُ باضمحلال
الصعوبة وأننا هنا ندورُ حول جراحنا بوضوح
فلا غطاء أو حاجز يقف بالمنتصفِ بيننا.
وهكذا تواصلتُ بشكلٍ هادئ في التحدث مع الغرباء عن الحياة، مخاوفهم، تجاربهم ونظرتهم لها إما عن طريقِ الصدف، في ساحاتِ
الانتظار أو عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي
- في حين جمعتنا الاهتمامات ذاتها-
قد يرى البعض أنني أبالغ وهؤلاء فهمهم محدود؛ لأن الاعتياد وممارسة أي شيء بأريحية مع الأقرباء، الأصدقاء أو العموم
لا يعني هذا أنها
قاعدة ثابتة تنطبق على الجميع.
أما عني فلقد حررتُ نفسي تدريجيًا لأشعر بسهولة الأمر
وبالخفة لا الاستشفاء التام فهي تعتبر مشاركات صغيرة لكنها مهمة.
لم أتغير تغير جذري بالطبعِ؛ لأن الأشياء لا تتوقفعن الاقتحام لأعيش في جدَلٍ مع نفسي
لكنني على الأقل أُحاول وأنظر للحياة لأشعر أنني أقاوم ليس لأكسب أي شيء بل لأعيش.
أظن كسب الأشياء لا يلغي من حقيقة فقدانها في الغد!
لكنني أريد أن أعيش حياة ليست بثقيلة حتى لو كانت محفوفة فقط
بمحاولاتي فهذا يكفي أحيانًا أو ربما دائمًا لكنه بالأحرى يكفي.
قرأتُ للكاتبة والمدونة Jane
Alexander تدوينة بعنوان
Talking to
Strangers - The Power of Group Therapy
"التحدث مع الغرباء - القوة في العلاج الجماعي"
كتبت جين عن تجربتها في التحدث مع الغرباء حينما كان ذلك ضمن
ما يُعرف بـ " العلاج الجماعي" حيث يقوم عدد محدود من الأشخاص بالتحدث
عن أنفسهم، تجاربهم الشخصية والحالات النفسية التي مروا بها
وتدار هذه الجلسة من قبِل المختص.
تقول جين عن اللحظة الأولى في الانطلاق نحو التكلم:
"شعرتُ بأنني سأمرض، يداي ترتعش وصوتي خافت
بدأ وكأنني أهمس.. وانتظر شعور الآخرين بالنفور والتقزز من أشياء
-برأيي- كانت مروعة ومخزية للغاية
إلّا أنهم أظهروا العكس.. أظهروا التفهم والتعاطف.
وبينما كنتُ أتحدث لاحظتُ امرأة تبكي بهدوء وأخبرتنا عن أشياء
قد عاشتها تشبهُ ما حصل معي
وظنت أنها لا تملك الجرأة الكافية للأفصاح عنها لكن بمجرد سماعها
لي شَعرت بالقدرة على البدء الذي تحتاجه."
تدوينة جين جعلتني أتقدم للتحدث
حتى إن كان فعلي ليس ضمن العلاج الجماعي بالضبط كما فعلت هي إلا أنني شعرتُ بحقيقة
رأيها حينما ذكرت فوائد التحدث:
١-التحدث وسماع قصص الآخرين يجدد أو ينعش من نظرتك للحياة
وتقول أيضًا: " لا أستطيع أخباركم بعدد المرات التي مررتُ بلحظةِ
“! Ahha”
حيث أن قصة شخصٍ ما قد أثارت فيضانًا من الذكريات وأعطتني إدراكًا عميقاً عن نفسي."
٢-حينما تصل لهذا المستوى من التواصل والقبول سترى نتائجه من خلال
علاقاتك العائلية ومع الأصدقاء كذلك، حيث أننا سنتوقف عن التزحلق حول الأشياء الصعبة.
٣- الأرض بحاجة إلينا ولشفاء جراحنا الشخصية حتى نتمكن من العمل
-معًا- لإيجاد حلول للألم العميق لكوكبنا الرائع.
في النهايةِ، سأختم بتساؤلاتٍ بدأتُ بها أنا ولعل أحدكم تنعشهُ الأجوبة
التي في رأسه...
لِمَ علينا أن نأخذ الحذر المبالغ به في عدم المشاركة مع الغرباء؟
لِم يظهر لنا أن التحدث معهم عن الحياة، التجارب وحتى المبادئ والقيم
التي تغيرت مع الوقت أمر غريب وخطأ بنظر الكثير؟
لِم لا نجعل الأشياء تنطلق بسهولة ولا ننظر بعمقٍ قوي ينسينا الخِفة؟
لِمَ لا نخرج من الدائرة التي كلما ضاقت بنا من الخارج اتسعت بالتراكمات أكثر في دواخلنا؟
تعليقات
إرسال تعليق