هوس الاستعجال
أستيقظُ في الصباح الباكر كل يوم
وأنا أظنُ كل الظن أنني عشتُ الأمس
وما قبله مثلما أردت
لكنني أمضي على عجلٍ دائم
كأن هنالك عاصفة قوية
في طريقها إلي...
حتى أنني أستمع كثيرًا للتعليقات المضحكة
"بشويش، ليه مستعجلة بكل شيء؟"
وأردُ باستهزاءٍ صادق
"مستعجلة مثل السنين، متأخرة مثل الندم"
أعبرُ الكثير من الشوارع بطرفِ أصابعي
كي لا أُيقظُ ذكراها
وأراقبُ الوقت وأنا أغادره بشكلٍ حذر جدًا
في كل شيء ليس خوفًا من الخطأ
لكن تمسكًا بالصوابِ الذي أخافُ أن أفقده.
وهكذا تمضي الأيام التي أعيشها
بعجلةٍ مخيفة أنا وحدي المسؤولة عنها
ولا أعرف سر هذه الموازنة التي أحافظُ
عليها دومًا
ذات يوم، وأنا أقطع الشارع المقابل
لأحدى المقابر اعتدتُ أن أعبره
- منذ عامين-
وألقي السلام مثل كل يوم:
"السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين....."
لكن هذه المرة شيئًا ما بداخلي يرتجف
ويتمدد
أشعر أن سحابة ما تُمطر...
لا، إنها أنا وحدي من تمطر عيناها.
عودة سريعة لذاتي في ثوانٍ معدودة
ليصيبني خوف مفاجئ ليس من الموت وحده
بل كيف مضت أعوامي؟
هل هذه الروح تُصيب أقل مما تُخطئ؟
تقترب من الله أكثر مما تظن؟
هل أنا حقًا أركضُ دائمًا دون جدوى؟
هل أعيش ساعات اليوم بهناء
أم العجلة الدائمة
تجعلني أفوّت مشاعر التلذذ
بالجلوس مع العائلة، الأصدقاء
ومع نفسي أيضًا؟
فلطالما أحسست بكل صراحة أن ثمة
شيئًا يجب أن ينتهي
وأنا في أكثر الأوقات راحة!
أشعر أن المغادرة الآن لابُد أن تبدأ
وأن خلف أبوابي كم هائل من الصفوفِ
لا تنتهي بل تنتظر قدومي فحسب.
لا أعلم كيف يتدحرج هذا الشعور
علاوة على محاولات عيش الوقت
كما هو دون الإكتراث الفعلي للصوت
الذي يتدفق بداخلي:
ماذا سأفعل فيما بعد؟
مالمهام المنزلية التي يجب أن أنهيها؟
وقت النوم أقترب - هنا كارثة ستقع إن تأخرت-
انتبهي فالعمر سيفوتك وأنتِ عالقة
حول الكثير من الأفكار الرمادية
كل شيء يجب أن يبدو كاملًا منتهيًا
في الوقت المعتاد...
كثيرًا ما أردتُ أن أصرخُ في وجهي لأقول:
لن يفوتك شيء! وألملم كل هذه الأصوات
وأقذف بها بعيدًا حيث اللاشيء
وأردتُ أيضًا أن أطمئن نفسي حينما
أرى أنها بالغت في تكرار هذه الجمل
وهذا الركض المرعب لأذكرها
بما قالته سوزانا تامارو في روايتها
-اذهب حيث يقودك قلبك-
"الحياة ليست سباقًا
ولكنها سعي نحو الهدف
وليس توفير الوقت هو المهم
الأهم هو إيجاد الهدف."
فصرتُ جاهدةً أدربني على التأني
وألّا أشعر نفسي بأنها في سباقٍ دائم
وأن كل شيء سيمضي لكن من أعماقي
أريده يمضي دون أن أُتعِب هذه الروح
دون أن أبالغ بالمعنى الحرفي بالوقت هذا
وألّا أصبح علامة فارغة
تتطاير بها العجلة كيفما شاءت
شعور غريب أشعر به وأنا أكتب الآن..
هل حقًا رغبتَ يومًا أن تبقى ثابتًا
صامدًا مهما حدث؟
ومهما كانت العاصفة قوية جدًا وقاسية؟
أنا رغبت!
وأحاول بكل ما أعطاني الله من قوة
ألّا أجعل لذة الأشياء تفوتني
وأحاول أن أغادر كل شيء بهدوءٍ مذهل
حتى أتصالح مع هوس الاستعجال هذا.
تعليقات
إرسال تعليق